تُعد الهجرة غير الشرعية واحدة من ابرز القضايا التي احتلت مكانة مهمة على المستوى السياسي والاجتماعي، هذه المكانة بدأت تزداد منذ الربع الأخير من القرن العشرين، وقد تشكلت ظروف عدة ساعدت على تكوينها، وهذه الظروف توزعت ما بين دول عالم الشمال التي عملت على استدعاء المهاجرين خلال مدة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لإعادة أعمار ما دمرته الحرب، وتعويض النقص الحاصل في التوزيع الديموغرافي للسكان جراء الحرب هذا من جانب، ومن جانب أخر ساعدت ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، وانتشار الفاقة على الهجرة غير الشرعية.
وتكتسب الدراسة في موضوع (الهجرة غير الشرعية وانعكاساتها على النظم السياسية في أوربا الغربية)، أهمية كبيرة في دول أوربا الغربية كون هذه الدول تعد المقصد الرئيس لمعظم الباحثين عن الهجرة؛ بسبب المستوى المتقدم الذي تتميز بهٍ، لاسيما بعد أن بدأت هذه القضية ترتبط بجملة من المتغيرات التي كانت لها إشكاليات وانعكاسات على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية.
وهكذا بدأت الهجرة غير الشرعية تشكل تحديًا جديدًا للنظم السياسية في دول أوربا الغربية، مما فرضت على النظم السياسية المستقبلة ضرورة أيجاد سياسات استجابة تتساوق مع النظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما في ذلك حتى النظم السياسية نفسها. ومما أزداد الوضع تعقيدًا هو أن النظم السياسية المستقبلة تفتقر إلى وجود سياسات موحدة إزاء قضية الهجرة غير الشرعية، إذ تتباين هذه السياسات من دولة إلى أخرى، وتتحكم في هذه السياسات عدد من المحددات، ومن أهمها حجم التهديد الذي تشكله الهجرة غير الشرعية الذي يفرضه الموقع الجغرافي للدولة، وهذا ما أثار جملة من المشاكل والأزمات في القارة الأوربية بين الدول؛ نظرًا لاختلاف السياسات والتوجهات الحكومية للتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، فضلًا عن ذلك هناك محددات أخرى تؤدي دورًا في صياغة السياسات اتجاه المهاجرين غير الشرعيين، منها بروز تيارات اليمين المتطرف، والحركات المتطرفة، والتي تشكل حركة (بيغيدا Pegida) الألمانية واحدة من أكثر هذه الحركات العنصرية حداثة، إذ تأسست في نهاية عام (2014).
وبالمحصلة أسهمت هذه المحددات في الدفع بٍاتجاه صياغة سياسات متباينة تحكمها ظروف موضوعية، وأخرى ذاتية، فمن جملة هذه الظروف الموضوعية أن هؤلاء المهاجرين لم تكن لهم صفة قانونية (شرعية) تمنحهم حق الدخول إلى بلد معينٍ، لاسيما أن البعض من هؤلاء قد يكون متهمًا بزعزعة الأمن القومي للدول المستقبلة، لارتباطه بجماعات وحركات عنصرية، أما الظروف الذاتية تكمن في كون معظم هؤلاء المهاجرين هم من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا يشكل دافعًا نحو أعادة الذاكرة للحكومات الأوربية، بالصورة النمطية التي كونتها عن الشرق الإسلامي