خلال عامين وخمسة أشهر وأربعة أيام تقريباً – هي مدة خلافته - استطاع عمر بن عبد العزيز أن يسطِّر معجزة تربوية في تاريخ الإسلام؛ ففي هذه الفترة الوجيزة استطاع أن يضع الأسس والأهداف لتربية المجتمع المسلم وفق المنهج النبوي الذي يحرم فيه الغش، والكذب، والرشوة، والفساد على الرعية ، ذلك المنهج الذي يعتمد على اقتران العلم بالعمل، والمعرفة بالتطبيق والإطلاع الذاتي على سير من سبقنا من السلف الصالح؛ بغية التأسي بهم والتزام فهمهم - في سلوكه القيادي والإداري والتربوي.
لقد تبوأ الخليفة عمر بن عبد العزيز مكانة سامقة في التاريخ الإنساني لم ينلها إلا الأفذاذ من القادة والفاتحين، وأئمة العلم، والعباقرة من الكتاب والشعراء. ويزداد عجبك حين تعلم أنه احتلّ هذه المكانة في زمن قصير، في حين قضى غيره من الخلفاء والزعماء عشرات السنين دون أن يلتفت إليهم التاريخ؛ لأن سنوات حكمهم كانت فراغًا في تاريخ أمتهم، فلم يستشعر الناس تحولا في حياتهم، ولا نهوضًا في دولتهم، ولا تحسنا في معيشتهم، ولا إحساسًا بالأمن والإستقرار يعمّ بلادهم.
ولم تمنعه السياسة من تبوأ مقعده بين العلماء والحكماء، فقد زاحمهم واتفقت كلمة المترجمين لعمر بن عبد العزيز على أنه من أئمة زمانه.