«إنَّنا نكتبُ هذه الصفحاتِ من هذا الكتابِ لِنُبيِّنَ أنَّ في الثقافةِ العربيةِ القديمةِ التي هيَ «تراثُنا» حالاتٍ مِن اللامعقولِ لا يَنبغي أن نُغمِضَ عنها أبصارَنا.»
شكَّلَ الموقفُ من التراثِ العربيِّ مُعضِلةً فكريةً كبيرةً ليسَ للدكتور «زكي نجيب محمود» وحدَه، بل للكثيرِ من المفكِّرين أيضًا؛ فما بين دعواتٍ لهدمِ التراث، وأخرى تُنادِي بتقديسِه، يقفُ المؤلفُ موقفَ الباحثِ الفاحِص. ويُمثِّلُ هذا الكتابُ تغيرًا جوهريًّا في موقفِ المؤلفِ من التراث، فبينَما نادى في كتاباتِه السابِقة — مثل «خرافة الميتافيزيقا»، و«نحو فلسفةٍ علمية» — باستبعادِ التراثِ العربيِّ من النهضةِ الفكريةِ لِما به من خرافات، إذا بهِ يَتراجعُ عن موقفِه هذا بعدما أدرَكَ أن التراثَ يُمكنُ الأخذُ منه والاستفادةُ بما هو معقولٌ فيه، ويتلاءمُ مع العقلِ والمنطِق، دُونَ أن يُجبِرَ القارئَ على التسليمِ برأيِه، فترَكَ له حريةَ الاختيارِ حينَما ضمَّنَ في كتابِه ما هو معقولٌ وما هو لا معقولٌ من وجهةِ نظرِه في تراثِنا العربيِّ الفكري.