إن "نهر النيل" – الذي يعد أطول نهر على وجه الأرض – لا يمكن إخضاعه لإرادة إقليم محدد من الأقاليم الواقعة على ضفافه، أو التي تشكل حوضه، فالأنهار عامل ربط حضاري وطبيعي بين الأمم والشعوب؛ والقوانين الدولية التي ارتضتها البشرية في تشريعاتها للتعامل مع الأنهار التي تتجاوز الحدود السياسية لن تقر لقطر محدد بالتحكم في حقوق فرضتها الطبيعة، وارتضاها التاريخ عبر آلاف السنين، وأقرتها القوانين الدولية.
إن الارتباط (الحتمي) بين مياه النيل والحياة في مصر، ليس اعتقاداً مصرياً إلا بقدر ما أنه حقيقة علمية، ومقولة عالمية متداولة، صادرة عن تدقيق الصورة الممتدة عبر الأزمنة ما بين أقدم العصور في مصر - إذ تولى الإنسان المصري (ترويض) مياه النيل - وإلى هذا العصر الذي ألجأ هذا الإنسان نفسه لإقامة السدود المائية لإمكان توزيع المياه على فصول العام. وهذه الحقيقة – في تجلياتها – فرضت حضورها على الحياة المصرية في كيانها المجتمعي، كما في شخصيتها المميزة، وفي سيكولوجية المصريين، وعقائدهم، وعاداتهم، ولغتهم، وأمثالهم، وأغانيهم. إن "النيل" منظومة كاملة، وإطار حاكم للحياة والوجود المصري.